نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها في نيويورك كريس ماكغريل، قال فيه إن أصوات اليهود الأمريكيين باتت مسموعة، وتشكّ بإسرائيل، وتريد تحديد الدعم الأمريكي لمنع توسع المستوطنات.
ويقول الكاتب إن مايك ليفنسون يدفع ضد السياسات منذ 40 عاما، ويعتقد الآن أنه وصل إلى مرحلة ما. ويقول: “هناك تغير والساسة يرونه، وأعتقد أن هذا يخيفهم”، وكان يحمل لافتة كُتب عليها: “أوقفوا عنف المستوطنين” حيث شارك في مسيرة يوم الخميس في نيويورك.
وأضاف: “هناك تغير كبير يدور وسط اليهود الأمريكيين، وهناك الكثير من اليهود خاصة الشباب الذين لا يسارعون ويقدمون الدعم بدون شرط لكل شيء تفعله إسرائيل، والناس يتقبلون حقيقة أنك قد تكون يهوديا وتنتقد إسرائيل في نفس الوقت”.
وبدأ ليفنسون، وهو من نيويورك، بالاحتجاج ضد سياسات إسرائيل أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وكان طريقا طويلا وأحيانا سار فيه بدون رفقة أحد، حيث كان يحاول جلب انتباه الأمريكيين للاحتلال الإسرائيلي الذي مضى عليه عقود، والهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد الضفة الغربية وغزة، والتوسع الاستيطاني الذي لا يتوقف.
كل هذا ولم يتغير الدعم في واشنطن لإسرائيل. ولم يبد أن أي شيء تغير عندما احتفى الديمقراطيون والجمهوريون بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ الذي ألقى خطابا في الكونغرس.
وأبعدت القيادة الديمقراطية نفسها عن النواب الذين قاطعوا كلمة الرئيس الإسرائيلي، وشاركوا بالضغط على البرلمانية براميلا جايابال التي وصفت إسرائيل بالدولة العنصرية، قبل أن تتراجع عن كلامها وتصححه بالقول إنها كانت تقصد الحكومة التي تتبنى سياسات عنصرية واضحة.
وكان حكيم جيفرزي، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، واضحا في دعمه لإسرائيل، أما الجمهوريون، فقد سارعوا إلى هندسة قرار للتصويت عليه، ينص أن إسرائيل “ليست دولة عنصرية أو دولة تمييز عنصري”. وصوّت الجميع مع القرار باستثناء 10 نواب.
ووصفت المعلقة في صحيفة “نيويورك تايمز” ميشيل غولدبيرغ ردة الفعل على كلام جايابال، بأنها “ردّ مفرط في هستيريته” من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، و”صورة أنه مهما انحرفت إسرائيل عن الأعراف الديمقراطية الليبرالية، فعندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية، فلا تزال محمية بستارة كثيفة من المحرمات”.
ورغم كل هذا، فقد كان ليفنسون متفائلا عندما شارك في مسيرة يوم الخميس لدعم مقترح على مستوى الولاية لمنع الجمعيات الخيرية من الدعم غير الشرعي للمستوطنات. وعلق أن المواقف من إسرائيل تتغير منذ سنين، حيث بات الكثير من الأمريكيين العاديين واليهود وغير اليهود، ينظرون للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني من منظور الحريات المدنية، ويقول: “أسمع هذا منهم، فهم يتابعون منصات التواصل الاجتماعي ويبحثون عن المعلومات القادمة من الشرق الأوسط، وهم ليسوا بحاجة للاعتماد على الإعلام الجماهيري أبدا. فهم متشككون بشأن ما يسمعونه من الساسة
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ليفنسون محق في كلامه، ففي استطلاع لمؤسسة غالوب نظم بداية هذا العام، وجد أنه ولأول مرة، هناك المزيد من الديمقراطيين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وبهامش 11%، وهو تحول مهم عن العقد السابق. وفي عام 2021، نظم معهد الناخبين اليهود دراسة مسحية، وجدت أن نسبة 58% من اليهود الأمريكيين يدعمون فرض قيود على الدعم العسكري الأمريكي، لمنع إسرائيل من استخدامه في توسيع المستوطنات بالضفة الغربية.
ووافق ثلث المشاركين على أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين تشبه العنصرية في الولايات المتحدة، وهي نسبة صدمت الكثير من القيادات اليهودية الأمريكية. وتقول الصحيفة إن جزءا من هذا التحول نابع من منصات التواصل الاجتماعي والتداول الواسع للقطات الفيديو عن هجمات إسرائيل ضد غزة والضفة الغربية، وعمليات الترحيل الجماعي للفلسطينيين في جنوب الخليل، وهجمات المستوطنين المسلحين ضد القرى البلدات الفلسطينية.
وأدت سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي لمنع قيام دولة فلسطينية وتبني المتطرفين في حكومته لمشروع ضم الضفة إلى تجريد إسرائيل من أي مبرر لما تقوم به، وأنه من أجل مكافحة الإرهاب. كل هذا قدم دفعة للمزاعم من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والأجنبية بأن إسرائيل تطبق نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين. ولكن المتظاهرين في 20 تموز/ يوليو، في ساحة هيرالد بمنهاتن في نيويورك، ليس لديهم وهمٌ في تحول السياسة الأمريكية في واشنطن من إسرائيل وفي أي وقت قريب، رغم التغير الواضح في السياسات العامة.
وتقول البرفيسورة المتقاعدة في العلوم السياسية من جامعة سيتي بنيويورك، روزاليند بتشسكي، التي فرّت عائلتها من المذابح اليهودية في روسيا بداية القرن الماضي، إن بعض الساسة الأمريكيين لا يعرفون كيف يردّون على الفجوة ما بين الغرائز المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، ومواقف الناخبين في مناطقهم الانتخابية. وقالت: “كان ردّهم على براميلا جايابال تعبيرا عن ضعف، ذلك أنهم يشعرون بالتهديد لأنه تم فضحهم. لكن القيادة السائدة في الحزب الديمقراطي مهتمة بانتخابات 2024 والحصول على الكثير من الأموال من مجموعة المليارديرات الذين يدعمون إسرائيل والتي تعطيهم القوة. وكلما صح هذا الكلام، فنحن نقاتل في معركة صعبة ولكننا سنفوز”.
وتقول داليا شمس، المحامية في مركز الحقوق الدستورية التي شاركت في التظاهرة، إن الطريق الصحيح هو التركيز على سياسات إسرائيل التي لا يمكن الدفاع عنها.
ويدعم الساسة الأمريكيون إسرائيل بشكل عام، حيث يتحدثون عن القيم المشتركة و“حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. إلا أنه من الصعب الدفاع عن سياسات لإسرائيل الأخرى مثل الاستيطان. وتعلق شمس: “طبعا هي معركة صعبة، ولكننا نعرف أن الأرقام تتحول باتجاه إجماع حول معارضة اللستيطان الإسرائيلي. وعندما تنظر لمطالب هذه الحملة، فهي الأكثر إثارة للجدل من الناحية القانونية، وعليه، فمن يعارضونها يقولون إنه من الجيد مساعدة جرائم الحرب والتحريض عليها”.
والمشكلة هي أنك تستطيع الحصول على دعم من الناخبين، ولكن جعلهم يهتمون بموضوع له آثار سياسية هو شيء آخر. ففي الوقت الذي هتف فيه المتظاهرون بساحة هيرالد: “نحن ننتصر” مرّ المتسوقون من جانبهم بدون أي اهتمام، إلا رجلا وقف وبدأ يشرح لابنه من هم المستوطنون.