بعد أن أطاحت بريطانيا والاتحاد السوفييتي برضا بهلوي ملك إيران، نصبّوا ابنه محمد رضا بديلاً عنه ليحكم إيران بين عامي 1941 – 1978م، فترة سماها رجال الدين “سياسة التغريب” لانفتاحها على الغرب.
في عام 1953 هرب الشاه محمد رضا بعد خلاف سياسي مع رئيس الحكومة محمد مصدر إلا أن أمريكا أعادته للحكم بعملية أجاكس العسكرية التي نفذتها الاستخبارات الأمريكية بمساعدة بريطانية، هذا الأمر زاد من غضب رجال الدين الشيعة الطامعين بالوصول إلى الحكم في إيران واتخذوا من اتجاه الشاه نحو الغرب ذريعة لتتعاظم مكانتهم في المجتمع الإيراني، هذا الأمر جعل نجم الخُميني يبرز بشكل كبير كزعيم ديني وسياسي رأى الإيرانيون فيه مخلصاً لهم من حكم الشاه.
عام 1964 تنبه الشاه لخطر رجال الدين وزعيمهم الخميني فأمر بإلقاء القبض عليه ونقله من مدينة قُم إلى طهران، وبعدها نفي خارج البلاد ونقل إلى تركيا بطائرة عسكرية خاصة، وبعد عام نقل إلى العراق ليقيم في النجف 13 عام، وفي الرابع من تشرين الأول عام 1978 م، توجه صدام حسين نائب الرئيس العراقي أحمد حسن البكر آنذاك إلى النجف، وطلب من الخميني مغادرة العراق، فاتجه إلى فرنسا في السادس من ذات الشهر واستقر في بلدة نوفل لوشاتييه لعدة أشهر، من هناك قاد الخميني الثورة ضد الشاه، حيث حرّض رجال الدين التابعين للخميني الشباب الإيراني على الخروج في مظاهرات ضد الشاه.
وفي نهاية عام 1978 أرسل الخميني إلى حافظ الأسد يطلب منه استقباله في دمشق، ثم تراجع عن رسالته لإبقاء حركة “القادة الثوريين المتواجدين في سوريا ولبنان” أكثر سهولة، وفي هذه الأثناء مدّدت فرنسا إقامته عدة أشهرٍ أخرى.
في كانون الثاني من عام 1979 فرَّ الشاه بهلوي إلى مصر، وفي الأول من شباط من ذات العام وبعد أيام قليلة من هروب الشاه محمد رضا، ترك الخميني منزله في نوفل لوشاتييه وعاد إلى طهران على متن طائرة فرنسية، ومن مقبرة جنة الزهرات “بهشت زهرة” وأمام أربعة ملايين إيراني نزع الخميني تاج إيران الذهبي وألبسها عمامته السوداء.
“إن الإسلام أفضل لكم من الكفر وإن الشعب أحسن لكم من الأجنبي”
بهده الجملة أنهى الخميني خطابه مقبرة الزهراء وبدأ بتنفيذ مخططه في الشرق الاوسط من بوابة سوريا لكن كيف وصل الخميني إلى سُدّة الحكم وما هي علاقة نظام الخميني بنظام حافظ الأس؟
في شباط عام 1978 نجحت ثورة الخميني وأطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي وقلبت نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري، لم تكن الثورة آنذاك مجرد مظاهرات شعبية قادها رجال الدين بل كانت مخططا ومشروعا كبيراً.
– الخميني وحافظ الاسد قبل نجاح الثورة في إيران:
في بداية عام 1978 وجه موسى الصدر انتقادات للأسد بسبب سلوكيات الجيش السوري في لبنان، الأمر الذي جعل الأسد يبدل مواقفه ويتجه نحو الخميني، حيث تأثرت علاقة الخميني بحافظ الأسد قبل الثورة بعدة أمور اهمها:
1- بروز الخميني كمنافس لموسى الصدر في إيران رغم التوافق الظاهري بينهما.
2- دعم الأسد لحركة أمل التي أسسها موسى الصدر عام 1974.
3- تصاعد وتيرة الاحتجاجات التي يقودها الخميني ضد الشاه واختفاء موسى الصدر في ليبيا بذات العام.
4- خلافات الاسد مع النظام العراقي والتي بدأت تطفو على السطح التقت مع خلاف الخميني مع صدام حسين الذي اخرجه من العراق.
5- القبول المبدئي من الدول الاوربي بالثورة الايرانية وعدم تدخل امريكا لدعم حليفها الشاه محمد رضا بهلوي.
بعد الخلاف الذي صار صداماً بين موسى الصدر وحافظ الأسد وجه الأخير أنظاره نحو الخميني وبدأ بدعم القادة السريين للثورة الايرانية المتواجدين في سوريا ولبنان واعطاهم جوازات سفر سورية بصفتهم مواطنين عراقيين استحقوا الجنسية السورية.
فحسب وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء كان أحمد واحدي جهرمي قبل وبعد الثورة الإيرانية ممثل الخميني في سوريا، وكان منزله مفتوحا لكثير من الإيرانيين في دمشق قبل وبعد الثورة كما أن جهرمي كان وسيطا بين الأسد والشخصيات القادمة من أيران كما حدث مع صادق خلخالي.
التقى “الجهرمي” بالأسد عدة مرات في قصره وأبدى له احتراماً كبيراً ما يوضح مكانة رجال خامنئي النافذة عند حافظ الأسد الذي دافع عن الخميني وإيران في قمة عدم الانحياز التي اقيمت في الهند ومدح كثيراً الثورة الايرانية وقائدها الخميني، كان الاسد مؤيداً لإيران بشدة وقدم الكثير من الخدمات المهمة للثورة وخلال الحرب العراقية الإيرانية عام 1982 أغلق حافظ الأسد خط النفط العراقي كركوك بانياس ووقع اتفاقية مع الخميني لشراء النفط الإيراني بسعر تفضيلي وفي العامين الاخيرين للحرب توسط حافظ الاسد لدى معمر القذافي لتقديم صواريخ سكود لإيران وتعهد بتدريب مجموعات من الحرس الثوري الايراني على استخدامها فارسلت ايران حسن ظهراني وعددا من ضباط الحرس الثوري لتلقي التدريب في سوريا.
ازدادت العلاقة قوة بعد زيارة الاسد الأولى لإيران عام 1990 حيث تأصلت العلاقة وتجذرت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.
– إيران وبشار الأسد:
بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000 وتسلم ابنه بشار زمام الحكم زادت إيران من تدخلها في سوريا وكثفت من وجود رجال الدين الشيعة والسياسيين في دمشق، وعملت على ربط المسؤولين السوريين بعلاقات شخصية وثيقة مع طهران كما أن التدخل وصل حتى تسلّم مناصب عليا في الدولة السورية لأشخاص من أصول إيرانية مثل هشام بختيار مدير مكتب الأمن القومي السابق.
على مستوى العلاقات بين نظام الأسد والنظام الإيراني فإن هناك سيطرة تامة من قبل الإيرانيين على الأسد، على سبيل المثال لا يستطيع السوريون السفر إلى إيران إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول بينما سمح بشار الأسد للإيرانيين دخول سوريا بدون تأشيرة رافقت هذا القرار تسهيلات من نظام الأسد تمكن الإيرانيين من امتلاك العقارات والأراضي في سوريا.
وفي عام 2011 أتاحت فتوى علي خامنئي بوجوب الجهاد في سوريا الفرصة لتدخل عسكري مباشر في سوريا ما دفع الكثير من الإيرانيين إلى الذهاب نحو دمشق والقتال بجانب النظام، قابلتها دعوة رسمية من بشار الأسد للنظام الإيراني بالتدخل العسكري كما أطلق يد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا منذ 8 سنوات حتى الآن لتحل محل قوات النظام.
لم يقتصر التدخل في عهد الأسد الابن على الميليشيات العسكرية بل بدأت إيران بتنفيذ مشروعها الديني والاجتماعي في سوريا عبر بناء الحسينيات والمراكز الثقافية الإيرانية في المدن والقرى الواقعة تحت سيطرة ميليشياتها.
إيران خارج الحدود:
بلور الخميني خلال وجوده في العراق سياسته تجاه دول الجوار في حال نجاح ثورته القائمة في إيران وكان في مقدمة الأفكار التي عمل عليها الخميني بعد نجاح الثورة بناء جماعات تتبع لإيران في البلدان المجاورة فعملت إيران على تقوية وتوسيع نفوذها في المنطقة على بعدين أساسيين:
* أولهما: تعزيز وتقوية النفوذ الايراني في العالم العربي ودعم حلفائها سياسيا وعسكريا واقتصادياً.
* ثانيهما: نشر التشيّع كعنصر مهم لتوليد القوى الناعمة الإيرانية بعد تصدير الثورة، واعتمدت إيران على الطوائف الشيعية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط في نشر التشيع من خلال دعم حركات المقاومة وحليفها السوري الحليف العربي الأكبر لها في المنطقة، يستهدف هذا البُعد تكوين كيانات شيعية قوية في الدول العربية لمساندة السياسيات الإيرانية في قضايا المنطقة.