أعلن «الحراك الشبابي المستقل» في سنجار- تجمّع مدني- أن الوفد الذي التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال، مصطفى الكاظمي، في بغداد لا يمثله، مشيراً في الوقت ذاته إلى رفضه اتفاق سنجار، المُبرم بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق في أربيل، بشأن «تطبيع الأوضاع» في المدينة التي تشهد توتراً أمنياً منذ الشهر الماضي، أدى إلى نزوح أكثر من ألف عائلة مدنية. وقال الحراك في بيان صحافي، إن «الوفد الزائر إلى العاصمة بغداد للقاء القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس حكومة تصريف الأعمال (مصطفى الكاظمي)، تم توجيهه وتشكيله خارج نطاق الحراك الشبابي المستقل، والأشخاص الذين تم اختيارهم (ضمن الوفد) لم يكن للحراك أي إطلاع أو تدخل في آلية اختيارهم».
وأضاف: «كما نود أن نوضح للرأي العام ولجمهور الحراك الأبطال وجود عدد بسيط من الشباب الذين يرافقون الوفد، والبعض منهم موجودون ضمن صفوف الحراك كأي شخص آخر، وهذا لا يعد تمثيلاً وإرادة الحراك الشبابي المستقل». ولفت إلى «أننا مع مطالب أهلنا التي يرغب بها وتصب في مصلحة المنطقة، ولسنا من المنادين بتطبيق اتفاق سنجار الموقعة بين حكومة بغداد وكردستان لأنه يشوبها الغموض ومطالبنا واضحة وضوح الشمس».
ومساء أول أمس، وجه رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بالإسراع في إتمام إجراءات تأسيس صندوق إعمار سنجار.
وقال مكتب الكاظمي في بيان، إن الأخير «استقبل وفداً من أهالي قضاء سنجار في محافظة نينوى، ضم عدداً من وجهاء القضاء وشيوخ العشائر فيه، حيث حضر اللقاء مستشار الأمن القومي، ورئيس أركان الجيش، ورئيس جهاز الأمن الوطني، ونائب قائد العمليات المشتركة، واستمع في مستهل اللقاء إلى شرح عن الأوضاع الأمنية والمعاشية في القضاء، والصعوبات والتحديات التي يواجهها الأهالي هناك، واطلع على أهمّ ما تقدم به الوفد من متطلبات؛ من أجل استكمال مفردات أمن القضاء، وترسيخ الاستقرار»، مشيراً إلى أنه «قد زار القضاء مرّتين واطلع عن كثب على أهم احتياجاته ومشكلاته».
وأكد الكاظمي، حسب البيان، أهمية «تثبيت الاستقرار وتدعيم جوانب سير الحياة الطبيعية والنشاط الاقتصادي والاجتماعي لأهالي القضاء، وتفويت الفرصة على فلول الإرهاب، وأن القضاء يحظى باهتمام استثنائي في خطط الحكومة».
وأضاف أن «الاتفاق الذي سبق أن عقد في سنجار هدفه أن تبقى الدولة العراقية هي الوجود الوحيد والحاضر هناك، ولا بد من دعم الأهالي للخطط الأمنية ومعالجة الأخطاء التي حصلت في السابق».
ووجه رئيس مجلس الوزراء، الجهات المعنية «بالإسراع في إتمام إجراءات تأسيس صندوق إعمار سنجار، وإدراج تعيين عدد من أبناء القضاء في سلك الأجهزة الأمنية ضمن قانون الموازنة العامة الاتحادية المقبلة».
إلى ذلك، ذكرت مصادر من داخل الوفد، أنهم قدموا للكاظمي جملة مطالب، من بينها «إخراج المظاهر المسلحة خارج المناطق المدنية» و»تعديل اتفاقية سنجار ومشاركة الإيزيديين في صياغتها»، و»تعين الشباب الإيزيديين في سلك الأمن والجيش العراقي»، و»حل مشكلة ازدواجية الإدارية في القضاء والنواحي»، فضلاً عن «تخصيص ميزانية لإعادة إعمار سنجار»، و»إطلاق برامج العودة الآمنة للنازحين ودعم العوائل العائدة».
وشدد الوفد على ضرورة «إعادة افتتاح جميع الدوائر الحكومية والخدمية في سنجار، وتعيين الخريجين في الوظائف الشاغرة، وتشكيل لجنة من ذوي الاختصاص والخبرة لمتابعة (المطالب)».
وتشهد المدينة اضطراباً في الوضع الأمني والإنساني، إثر اشتباكات مسلحة اندلعت في وقتٍ سابق من الشهر الماضي، بين قوات موالية لحزب العمال الكردستاني، والجيش العراقي، أدّت إلى سقوط ضحايا وتهجير المدنيين «مرّة أخرى» نحو مخيمات النزوح في إقليم كردستان العراق.
وخضر كالو هو شرطي من قرية صغيرة في قضاء سنجار. لكن حين اندلعت الاشتباكات بين مقاتلين إيزيديين والجيش العراقي، أرغم، مرةً أخرى، على مغادرة قريته، مع آلاف آخرين هرباً من أعمال العنف. مثل غالبية العشرة آلاف نازح الذين استقبلهم إقليم كردستان العراق في الأيام الأخيرة، فقد واجه كالو مشقّة الحياة في مخيمات النزوح، فهذه ليست المرة الأولى التي يحزم فيها بعض أغراضه ويغادر بيته. ففي العام 2014، كان لقاؤهم الأول مع النزوح حين سيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» على سنجار.
ويروي الرجل البالغ من العمر 37 عاماً، الذي فرّ مع زوجته وأولاده الخمسة إلى مخيم شامشكو، قرب مدينة زاخو في دهوك: «في المرة السابقة نزحنا وبقينا ست سنوات في مخيم دركار خوفاً من تنظيم الدولة الإسلامية، وهذه المرة نزحنا خوفاً من صوت المدافع». ويضيف: «عدت منذ ما يقرب من عامين» إلى سنجار، المعقل التاريخي للأقلية الإيزيدية. وبحسرة يردف: «كنا نتدبّر أمور معيشتنا رغم المصاعب، لكن الأوضاع في الآونة الأخيرة تدهورت بشكل كبير». وشهدت سنجار اشتباكات عنيفة بين الجيش العراقي ووحدات حماية سنجار المرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يشنّ منذ عقود تمرداً ضدّ تركيا. لكن المناوشات المتفرقة بين الطرفين تتكرر منذ مدة طويلة. ويقول كالو: «يومياً نسمع أصوات الرصاص والانفجارات». غادر الرجل قريته في البداية وتوجه منها إلى مدينة سنجار، لكن اختار الرحيل إثر ذلك إلى إقليم كردستان المجاور في شمال العراق. ويضيف: «لم يتعرض لنا أحد، لكن قلقنا على عائلاتنا».
وتعرضت الأقلية الإيزيدية، وهي جماعة ناطقة بالكردية يعتنق أبناؤها ديانة توحيدية باطنية، لسنوات للاضطهاد بسبب معتقداتها الدينية، لا سيما على يد تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي قتل أبناءها وهجّرهم وسبا نساءها.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان، الأربعاء الماضي، إن من بين النازحين الذين استقبلهم إقليم كردستان كثيرين عادوا إلى منطقتهم في عام 2020، بعدما فروا منها إثر سيطرة التنظيم.
في أزقّة مخيم شامشكو، الذي يستقبل أكثر من 22 ألف نازح، اصطفت الخيم المصنوعة من القماش المشمّع السميك. في داخلها، وضعت الفرش المخصصة للنوم على الأرض العارية، وجلست نساء اعتلت وجوههن ملامح القلق.
وقرب مكاتب إدارة المخيم، اصطف عشرات الرجال والنساء في طابورين أمام شاحنة محمّلة بصناديق المساعدات البيضاء.
وحينما ينادى باسمهم، يتوجه النازحون لاستلام صندوق من المساعدات الغذائية: كيلوغرام من السكّر، شاي، أرزّ بسمتي، ليتر من الزيت، طحين وحليب وعدس، وهي محتويات تكفيهم لأسبوع.
واستقبل إقليم كردستان خلال ثلاثة أيام 1711 عائلة، أي ما يساوي 10261 شخصاً، كما أعلن لـ»فرانس برس» مدير دائرة الهجرة والمهجرين ومكتب استجابة الأزمات في دهوك، ديان حمو. وتوزعت نحو 964 عائلة على المخيمات، أي 4300 شخص، أما الباقون فيقطنون عند أقربائهم.
وقال المتحدّث باسم مفوضية اللاجئين فراس الخطيب لـ»فرانس برس»، إن «المخيمات تشهد اكتظاظاً، ما يرفع خطر تراجع إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية بسبب نقص التمويل».
وأكّد أن المفوضية تدعم «الحلول المستدامة» التي تتيح للأشخاص العودة إلى منازلهم، لكن «العودة ينبغي أن تكون طوعية وتحترم الكرامة الإنسانية، وتأتي في جوّ سلمي».
وتقول السلطات العراقية إن الهدوء عاد إلى منطقة سنجار الجبلية. لكن التصاعد الأخير للعنف يعكس مدى تعقيد التوترات التي تعصف بسنجار، حيث تتداخل العديد من العوامل والأطراف ذات المصالح المتضاربة. وتتهم وحدات حماية سنجار، المنضوية كذلك ضمن «الحشد الشعبي»، الجيش بأنه يريد السيطرة على المنطقة وطردها منها، في حين يريد الجيش العراقي تنفيذ اتفاقية بين بغداد وأربيل، تقضي بانسحاب المقاتلين الإيزيديين وحزب العمال الكردستاني من سنجار.
وفي الأثناء، أعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية الخميس الماضي، عن وصول «تعزيزات عسكرية» كبيرة إلى سنجار «لفرض القانون». وأضافت في بيان أنها لن تسمح «بتواجد المجاميع المسلحة» في القضاء.
وتقع منطقة سنجار أيضاً في مرمى نيران الغارات الجوية التركية المتفرقة التي تشنّها أنقرة ضدّ قواعد حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه «إرهابياً».
وفي ظلّ هذه التعقيدات وأعمال العنف، يجد الإيزيديون أنفسهم ضحايا جانبيين.
وفرّ العامل اليومي زعيم حسن حمد، البالغ من العمر 65 عاماً، المرة الأولى من سنجار تحت وطأة «هجمات تنظيم الدول الإسلامية»، كما يروي. وها هو اليوم أيضاً، مع عائلته المؤلفة من 17 ابناً وحفيداً، في مخيّم شامشكو.
ويقول الرجل: «إذا لم يوفروا لنا الأمن والاستقرار، فلن نعود هذه المرة، لأننا لا نستطيع أن نعود ثمّ ننزح في كلّ مرة». ويضيف: «إذا بقي الحشد وحزب العمال الكردستاني والجيش في المنطقة، فإن الناس سيخافون ولن يعود أحد».